بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 يونيو 2013

القضية ليست صدام حضارات

القضية ليست صدام حضارات

 بقلم العالم الياباني:  د. ناوكي كومورو
 ترجمة: ميسرة عبد الراضي عفيفي

(مقدمة من المترجم : الدكتور ناوكي كومورو عالم موسوعي يبلغ من العمر 73 عاما له العديد من الدراسات  والأبحاث في كافة فروع المعرفة.  اكتسب شهرته المدوية في اليابان والعالم في بداية الثمانينات عندما تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي في دراسة نشرها في أغسطس من عام 1980 تحت عنوان "انهيار  الإمبراطورية السوفيتية".  كتب دراسة عن حرب الخليج الأولى المسمى بحرب تحرير الكويت تحت عنوان "انتقام العرب" مهاجماً فيها الطريقة الأمريكية في معالجة الأزمة. في أكتوبر من عام 2000 نشر دراسته القيمة "أصول الأديان لليابانيين" وهي دراسة في مقارنة الأديان قارن فيها الديانات الأربع الكبرى في العالم وهي  المسيحية والإسلام والبوذية والكونفوشية وتوصل إلي أن الإسلام هو الدين الأكمل بينها وأن الإسلام هو النموذج الأمثل لما يجب أن يكون عليه الدين. ((نشرت جريدة الشعب الإلكترونية الفصل الخاص بالإسلام الذي ترجمه كاتب هذه السطور تحت عنوان " الإسلام هو الدين الحق" في عددها الصادر في 8 يوليو 2005)).
ثم وقعت الواقعة وزُلزل العالم أو أريد له أن يُزلزل بأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وأعلن العالم  غربه وشرقه الحرب على الإسلام بحجة الحرب على الإرهاب. ولم تكن اليابان بعيدة عن ذلك.  وبدأ الإعلام  الياباني ينقل من الإعلام الغربي الصورة كما هي دون توضيح أو شك في أنها الصورة الصادقة. ساء ذلك كاتبنا  كثيراً فأصدر في مارس عام 2002 كتاباً تحت عنوان "مبادئ الإسلام لليابانيين" دافع فيه عن الإسلام وفند الصورة الخاطئة التي يريد الغرب أن يجعلها هي الإسلام.
 المقالة هذه هي آخر سبع صفحات من هذا الكتاب في آخر فصول الكتاب تحت عنوان "معاناة الإسلام في العصر الحديث". أما العنوان أعلاه فهو من عندي.  م.ع ).

التعامل مع حركات الصحوة (الإسلامية) على أنها هوس ديني يعبر عن جهل أمريكا:

ما جعل الفاندمنتاليزم (الأصولية المسيحية) تشتهر بشدة هي المونكي ترايال أو ما يمكن ترجمته محاكمات القرد.
وهي المحاكمات التي تتعلق بنظرية التطور.
أحد معلمي المدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية درّس لطلابه في المدرسة دروساً تعلمهم نظرية النشوء والارتقاء مما جلب عليه غضب أولياء الأمور وانتهى الأمر بفصله من وظيفته، فرفع هذا المدرس قضية مطالباً  اعتبار هذا الفصل فصل تعسفي وبإعادته إلى عمله. هذه هي البداية.
في هذه المحاكمة القضية التي أصبحت محل النزاع بلا جدال هي ماذا يقول الكتاب المقدس؟
الكتاب المقدس يقول إن الله هو خالق الإنسان. ومع هذا يأتي من يقول كلاماً فارغاً مثل إن القرد قد تطور فأصبح  إنساناً. من هنا جاءت اسم محاكمات القرد.
أول هذه المحاكمات حدثت في ولاية أركانصو في العشرينات من القرن الماضي، لكن اللافت للنظر هو تكرر هذا النوع من المحاكمات بعد ذلك أكثر من مرة.
مؤخراً في ثمانينات القرن العشرين حدث جدال واسع في أمريكا حول هل يجب تدريس نظرية التطور أم لا.
كما وضحنا الفاندمنتاليزم (الأصولية المسيحية) شئ وثيق الصلة بالنسبة للأمريكان. لذلك عندما رأوا الثورة الإيرانية لا شعورياً  أصدروا حكمهم السريع والجاهز بأنها نوع من أنواع الفاندمنتاليزم  (الأصولية المسيحية).
ونستطيع أن نتخيل أنهم في أعماق قلوبهم يحملون تصوراً خاطئاً مفاده أن"محاولة إعادة المجتمع الإسلامي الذي  كان موجوداً قبل أكثر من ألف عام هو شئ لا يفكر فيه إلا المهووسين الدينيين الذين يرفضون العلوم الحديثة.
بالفعل عندما حدثت الثورة الإيرانية قال الرئيس الأمريكي جيمي كاتر وكرر أقوال تستند على هذا التصور الخاطئ. كرر أكثر من مرة القول أن من قاموا بهذه الثورة هم أناس مجانين لديهم هوس ديني. أيضاً وسائل الإعلام الأمريكي والأوروبي كررت بث المعلومات التي تكونت من نفس التصور.
في الأصل الفاندمنتاليست (الأصولي) في المسيحية هو من يضع المشكلة في الإيمان القلبي فقط. الفاندمنتاليست  (الأصولي) في المسيحية هو من يؤمن بكل ما هو مكتوب في الكتاب المقدس كما هو.  أي أنه ليس للفاندمنتاليستس  (الأصوليين المسيحيين) أي قوانين خاصة بهم.
في المقابل، إذا نظرنا إلى الإسلام على أي وجه من الوجوه، لا سبيل فيه  إلى ظهور فاندمنتاليست (أصولي) يدعي أن من يؤمن فقط بالقرآن(دون عمل) سيفلح.
القرآن ذات نفسه يدعو المؤمنين به إلى الفعل الخارجي بمعنى أن القرآن يطالب بالمحافظة على أوامره ونواهيه.
وبذلك فظهور فاندمنتاليست (أصولي) على الطريقة المسيحية هو شئ غير وارد على الإطلاق في الإسلام. لكن الغربيين وخاصة الأمريكيين منهم لا يعلمون بدائيات البدائيات في الإسلام هذه، ثم يتعاملون مع حركات  الصحوة الإسلامية على إنها حركات لأناس متخلفين ومهوسين دينياً.
وبناء على هذا فإن عدم إعتراض العالم الإسلامي على هذه المعاملة يكون هو الشئ المستغرب.
إن المسلمين ليسوا مهاويس دينياً على الإطلاق. إنهم يعانون بجدية من وضعهم الراهن ويحاولون عمل حركة  تصحيحية تعود بهم إلى الأصول. وهو ما لا ينبغي تشبيهه بالأصولية المسيحية، بل يجب على العكس تشبيهم بجون  كالفن ومارتن لوثر.
بالطبع فيهم بعض المتطرفين . لكن التعامل مع حركات الصحوة الإسلامية جميعها على أنها كلها حركات تطرف، سيزيد حقد العالم الإسلامي على أمريكا ولن يحدث أي تفاهم بينهما أبداً.

حرب الخليج (تحرير الكويت) زادت من عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين:

المسلمون لديهم عقدة تسمى الحروب الصليبية.
هذه العقدة لازالت حتي الآن مستقرة في قلوبهم.
يعاني العالم الإسلامي حالياً ويتحرق جسده بسبب التناقض بين دخول العصر الحديث وبين العودة إلى الأصول.
ماذا فعل العالم الغربي إزاء ذلك؟
هل تفهم معاناة العالم الإسلامي هذه وحاول أن يقدم له يد المساعدة؟
هيهات.
هؤلاء المسيحيون ما فعلوه هو شئ شبيه بتكديس الملح في قلوب المسلمين الدامية.
حرب الخليج التي بدأت أحداثها عام 1990 كانت كذلك.
دراسة وتحليل هذا الحادث الضخم، عرضته في كتابي " إنتقام العرب" لذلك سأختصر التفاصيل هنا، لكن التصرف الذي قامت به أمريكا هو بالفعل السبب في تضخيم عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين.
ألا وهو وطئ الجيش الأمريكي الأراضي السعودية والبقاء فيها. بالنسبة للمسلم لا توجد إهانة أكبر من ذلك.
وذلك لأن السعودية توجد بها الأماكن المقدسة للمسلمين مكة والمدينة.
السعودية هذه وطئها جيش غير إسلامي، لا بل هو جيش مسيحي.
هذه صدمة لهم أكبر من صدمة الحروب الصليبية.
في الماضي حتى الجيوش الصليبية لم تجرؤ على الإقتراب من مكة أو المدينة. حقاً القدس ثالثة المدن المقدسة، لكن حرمتها لا تقارن أبداً بهاتين المدينتين مكة والمدينة.
الويل لأمريكا.
الويل لكل مسيحي.
لا داعي للقول أن كل مسلم لديه قلب، إنتشر داخله الحقد على أمريكا.
بعد ذلك أعلنت المنظمات الإسلامية المتطرفة بدء الجهاد ضد أمريكا.

نظرية صدام الحضارات  لن تُفهمنا القضية في وضعها الصحيح:

توجد فجوة بين الإسلام والغرب.
وهي فجوة عميقة وواسعة.
العالم الإسلامي يعاني من عقدة الحروب الصليبية، ويحاول بكل جهده البحث عن طريق العلاج منها. يعاني في الاختيار بين التحديث وبين العودة إلى الأصول، ولم يعثر على حل حتى الآن.
في حين أن الغرب ليس لديه أي علم بمعاناة العالم الإسلامي، ولا يحاول حتى معرفة ذلك. طبعاً لا مجال للحديث عن التعاطف مع المسلمين.
يظهر ذلك جلياً في زلة اللسان المشهورة للرئيس جورج بوش (الإبن) وقوله إنها حرب صليبية (كورسيد).
إنه يصف إرسال الجنود إلى أفغانستان بإرسال الجيوش الصليبية في الماضي.
الضبط كما يقولون ألقى زيتاً على النار، لا بل هو كمن ألقى خزانات ضخمة من الوقود على النار.
بالإضافة إلى أن الرئيس بوش الذي زل هذه الزلة الكبرى، والده هو الرجل الذي قرر إرسال الجيش الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية.
السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية هدفها القضاء نهائياً على المسلمين، مثلما كان هذا هو هدف الحروب الصليبية. لا حيلة لأمريكا في الدفاع إذا ما اعتقد المسلمون ذلك. عقدة الحروب الصليبية زادت أكثر وأكثر.
بَيْد أن الحكومة الأمريكية المعنية بالأمر، لا تعرف أي شئ عن ما يحمله المسلمون في قلوبهم من مشاعر كهذه.
وهذا ما يُعقد القضية.
ويبدو مظهرها أنها تعتقد أنه أمام قوتها العسكرية الضخمة لن تأخذ حفنة مثل المسلمين المتخلفين في يدها غلوة.
وهو ما ينتج عنه نتيجة عكسية تماماً تتمثل في زيادة إستفزاز عقدة الحروب الصليبية فقط. كلما تفعل أمريكا ذلك كلما تحول العالم الإسلامي إلى عداءها أكثر وأكثر.
ويمكننا القول أنه لا يوجد الشئ الذي يمنع هذه الدائرة المفرغة إلا أن يدخل الرئيس الأمريكي ذات نفسه في الإسلام.
كما دخل التتار سابقاً في الإسلام، يدخل الرئيس جورج بوش في الإسلام. إذا فعل ذلك فستزول عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين أو على الأقل ستقل إلى درجة بعيدة جداً.
لكن بالطبع الأمريكي الذي ليس لديه أي معرفة بالإسلام، لا يستطيع الوصول بتفكيره إلى مثل هذا الحل العبقري.
إذن.
كاتب هذه السطور يعلنها مدوية.
حتى لو تم القبض على بن لادن، حتى لو تم القضاء على القاعدة وعلى كل التنظيمات المتطرفة ، لن ينتهي الصراع بين الإسلام وأمريكا ومعها الغرب.
مهما أستخدمتم من قنابل، لن تستطيعوا أن تزيلوا عقدة الحروب الصليبية التي توجد في داخل كل مسلم. وبالطبع لن تستطيعوا أيضاً أن تساعدوا العالم الإسلامي في حل المشاكل التي يعانيها.
صراع المجتمعات الغربية مع المجتمعات الإسلامية ليس مجرد "صدام حضارات".
إنه صراع تاريخي يتواصل لأكثر من الف عام، وله جذور عميقة جداً.
وعلى فرض أن أمريكا إنتصرت هذه المرة في "الحرب على الإرهاب" ، فهو ليس إلا إنتصار لحظي. ويجب على السادة القراء وضع هذه الكلمات في وعيهم وعدم نسيانها.
إسلام يعاني.
أمريكا تتغطرس.

متي ياترى يأتي اليوم الذي يتفاهمان.

ليست هناك تعليقات: