بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 يونيو 2013

القضية ليست صدام حضارات

القضية ليست صدام حضارات

 بقلم العالم الياباني:  د. ناوكي كومورو
 ترجمة: ميسرة عبد الراضي عفيفي

(مقدمة من المترجم : الدكتور ناوكي كومورو عالم موسوعي يبلغ من العمر 73 عاما له العديد من الدراسات  والأبحاث في كافة فروع المعرفة.  اكتسب شهرته المدوية في اليابان والعالم في بداية الثمانينات عندما تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي في دراسة نشرها في أغسطس من عام 1980 تحت عنوان "انهيار  الإمبراطورية السوفيتية".  كتب دراسة عن حرب الخليج الأولى المسمى بحرب تحرير الكويت تحت عنوان "انتقام العرب" مهاجماً فيها الطريقة الأمريكية في معالجة الأزمة. في أكتوبر من عام 2000 نشر دراسته القيمة "أصول الأديان لليابانيين" وهي دراسة في مقارنة الأديان قارن فيها الديانات الأربع الكبرى في العالم وهي  المسيحية والإسلام والبوذية والكونفوشية وتوصل إلي أن الإسلام هو الدين الأكمل بينها وأن الإسلام هو النموذج الأمثل لما يجب أن يكون عليه الدين. ((نشرت جريدة الشعب الإلكترونية الفصل الخاص بالإسلام الذي ترجمه كاتب هذه السطور تحت عنوان " الإسلام هو الدين الحق" في عددها الصادر في 8 يوليو 2005)).
ثم وقعت الواقعة وزُلزل العالم أو أريد له أن يُزلزل بأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وأعلن العالم  غربه وشرقه الحرب على الإسلام بحجة الحرب على الإرهاب. ولم تكن اليابان بعيدة عن ذلك.  وبدأ الإعلام  الياباني ينقل من الإعلام الغربي الصورة كما هي دون توضيح أو شك في أنها الصورة الصادقة. ساء ذلك كاتبنا  كثيراً فأصدر في مارس عام 2002 كتاباً تحت عنوان "مبادئ الإسلام لليابانيين" دافع فيه عن الإسلام وفند الصورة الخاطئة التي يريد الغرب أن يجعلها هي الإسلام.
 المقالة هذه هي آخر سبع صفحات من هذا الكتاب في آخر فصول الكتاب تحت عنوان "معاناة الإسلام في العصر الحديث". أما العنوان أعلاه فهو من عندي.  م.ع ).

التعامل مع حركات الصحوة (الإسلامية) على أنها هوس ديني يعبر عن جهل أمريكا:

ما جعل الفاندمنتاليزم (الأصولية المسيحية) تشتهر بشدة هي المونكي ترايال أو ما يمكن ترجمته محاكمات القرد.
وهي المحاكمات التي تتعلق بنظرية التطور.
أحد معلمي المدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية درّس لطلابه في المدرسة دروساً تعلمهم نظرية النشوء والارتقاء مما جلب عليه غضب أولياء الأمور وانتهى الأمر بفصله من وظيفته، فرفع هذا المدرس قضية مطالباً  اعتبار هذا الفصل فصل تعسفي وبإعادته إلى عمله. هذه هي البداية.
في هذه المحاكمة القضية التي أصبحت محل النزاع بلا جدال هي ماذا يقول الكتاب المقدس؟
الكتاب المقدس يقول إن الله هو خالق الإنسان. ومع هذا يأتي من يقول كلاماً فارغاً مثل إن القرد قد تطور فأصبح  إنساناً. من هنا جاءت اسم محاكمات القرد.
أول هذه المحاكمات حدثت في ولاية أركانصو في العشرينات من القرن الماضي، لكن اللافت للنظر هو تكرر هذا النوع من المحاكمات بعد ذلك أكثر من مرة.
مؤخراً في ثمانينات القرن العشرين حدث جدال واسع في أمريكا حول هل يجب تدريس نظرية التطور أم لا.
كما وضحنا الفاندمنتاليزم (الأصولية المسيحية) شئ وثيق الصلة بالنسبة للأمريكان. لذلك عندما رأوا الثورة الإيرانية لا شعورياً  أصدروا حكمهم السريع والجاهز بأنها نوع من أنواع الفاندمنتاليزم  (الأصولية المسيحية).
ونستطيع أن نتخيل أنهم في أعماق قلوبهم يحملون تصوراً خاطئاً مفاده أن"محاولة إعادة المجتمع الإسلامي الذي  كان موجوداً قبل أكثر من ألف عام هو شئ لا يفكر فيه إلا المهووسين الدينيين الذين يرفضون العلوم الحديثة.
بالفعل عندما حدثت الثورة الإيرانية قال الرئيس الأمريكي جيمي كاتر وكرر أقوال تستند على هذا التصور الخاطئ. كرر أكثر من مرة القول أن من قاموا بهذه الثورة هم أناس مجانين لديهم هوس ديني. أيضاً وسائل الإعلام الأمريكي والأوروبي كررت بث المعلومات التي تكونت من نفس التصور.
في الأصل الفاندمنتاليست (الأصولي) في المسيحية هو من يضع المشكلة في الإيمان القلبي فقط. الفاندمنتاليست  (الأصولي) في المسيحية هو من يؤمن بكل ما هو مكتوب في الكتاب المقدس كما هو.  أي أنه ليس للفاندمنتاليستس  (الأصوليين المسيحيين) أي قوانين خاصة بهم.
في المقابل، إذا نظرنا إلى الإسلام على أي وجه من الوجوه، لا سبيل فيه  إلى ظهور فاندمنتاليست (أصولي) يدعي أن من يؤمن فقط بالقرآن(دون عمل) سيفلح.
القرآن ذات نفسه يدعو المؤمنين به إلى الفعل الخارجي بمعنى أن القرآن يطالب بالمحافظة على أوامره ونواهيه.
وبذلك فظهور فاندمنتاليست (أصولي) على الطريقة المسيحية هو شئ غير وارد على الإطلاق في الإسلام. لكن الغربيين وخاصة الأمريكيين منهم لا يعلمون بدائيات البدائيات في الإسلام هذه، ثم يتعاملون مع حركات  الصحوة الإسلامية على إنها حركات لأناس متخلفين ومهوسين دينياً.
وبناء على هذا فإن عدم إعتراض العالم الإسلامي على هذه المعاملة يكون هو الشئ المستغرب.
إن المسلمين ليسوا مهاويس دينياً على الإطلاق. إنهم يعانون بجدية من وضعهم الراهن ويحاولون عمل حركة  تصحيحية تعود بهم إلى الأصول. وهو ما لا ينبغي تشبيهه بالأصولية المسيحية، بل يجب على العكس تشبيهم بجون  كالفن ومارتن لوثر.
بالطبع فيهم بعض المتطرفين . لكن التعامل مع حركات الصحوة الإسلامية جميعها على أنها كلها حركات تطرف، سيزيد حقد العالم الإسلامي على أمريكا ولن يحدث أي تفاهم بينهما أبداً.

حرب الخليج (تحرير الكويت) زادت من عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين:

المسلمون لديهم عقدة تسمى الحروب الصليبية.
هذه العقدة لازالت حتي الآن مستقرة في قلوبهم.
يعاني العالم الإسلامي حالياً ويتحرق جسده بسبب التناقض بين دخول العصر الحديث وبين العودة إلى الأصول.
ماذا فعل العالم الغربي إزاء ذلك؟
هل تفهم معاناة العالم الإسلامي هذه وحاول أن يقدم له يد المساعدة؟
هيهات.
هؤلاء المسيحيون ما فعلوه هو شئ شبيه بتكديس الملح في قلوب المسلمين الدامية.
حرب الخليج التي بدأت أحداثها عام 1990 كانت كذلك.
دراسة وتحليل هذا الحادث الضخم، عرضته في كتابي " إنتقام العرب" لذلك سأختصر التفاصيل هنا، لكن التصرف الذي قامت به أمريكا هو بالفعل السبب في تضخيم عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين.
ألا وهو وطئ الجيش الأمريكي الأراضي السعودية والبقاء فيها. بالنسبة للمسلم لا توجد إهانة أكبر من ذلك.
وذلك لأن السعودية توجد بها الأماكن المقدسة للمسلمين مكة والمدينة.
السعودية هذه وطئها جيش غير إسلامي، لا بل هو جيش مسيحي.
هذه صدمة لهم أكبر من صدمة الحروب الصليبية.
في الماضي حتى الجيوش الصليبية لم تجرؤ على الإقتراب من مكة أو المدينة. حقاً القدس ثالثة المدن المقدسة، لكن حرمتها لا تقارن أبداً بهاتين المدينتين مكة والمدينة.
الويل لأمريكا.
الويل لكل مسيحي.
لا داعي للقول أن كل مسلم لديه قلب، إنتشر داخله الحقد على أمريكا.
بعد ذلك أعلنت المنظمات الإسلامية المتطرفة بدء الجهاد ضد أمريكا.

نظرية صدام الحضارات  لن تُفهمنا القضية في وضعها الصحيح:

توجد فجوة بين الإسلام والغرب.
وهي فجوة عميقة وواسعة.
العالم الإسلامي يعاني من عقدة الحروب الصليبية، ويحاول بكل جهده البحث عن طريق العلاج منها. يعاني في الاختيار بين التحديث وبين العودة إلى الأصول، ولم يعثر على حل حتى الآن.
في حين أن الغرب ليس لديه أي علم بمعاناة العالم الإسلامي، ولا يحاول حتى معرفة ذلك. طبعاً لا مجال للحديث عن التعاطف مع المسلمين.
يظهر ذلك جلياً في زلة اللسان المشهورة للرئيس جورج بوش (الإبن) وقوله إنها حرب صليبية (كورسيد).
إنه يصف إرسال الجنود إلى أفغانستان بإرسال الجيوش الصليبية في الماضي.
الضبط كما يقولون ألقى زيتاً على النار، لا بل هو كمن ألقى خزانات ضخمة من الوقود على النار.
بالإضافة إلى أن الرئيس بوش الذي زل هذه الزلة الكبرى، والده هو الرجل الذي قرر إرسال الجيش الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية.
السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية هدفها القضاء نهائياً على المسلمين، مثلما كان هذا هو هدف الحروب الصليبية. لا حيلة لأمريكا في الدفاع إذا ما اعتقد المسلمون ذلك. عقدة الحروب الصليبية زادت أكثر وأكثر.
بَيْد أن الحكومة الأمريكية المعنية بالأمر، لا تعرف أي شئ عن ما يحمله المسلمون في قلوبهم من مشاعر كهذه.
وهذا ما يُعقد القضية.
ويبدو مظهرها أنها تعتقد أنه أمام قوتها العسكرية الضخمة لن تأخذ حفنة مثل المسلمين المتخلفين في يدها غلوة.
وهو ما ينتج عنه نتيجة عكسية تماماً تتمثل في زيادة إستفزاز عقدة الحروب الصليبية فقط. كلما تفعل أمريكا ذلك كلما تحول العالم الإسلامي إلى عداءها أكثر وأكثر.
ويمكننا القول أنه لا يوجد الشئ الذي يمنع هذه الدائرة المفرغة إلا أن يدخل الرئيس الأمريكي ذات نفسه في الإسلام.
كما دخل التتار سابقاً في الإسلام، يدخل الرئيس جورج بوش في الإسلام. إذا فعل ذلك فستزول عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين أو على الأقل ستقل إلى درجة بعيدة جداً.
لكن بالطبع الأمريكي الذي ليس لديه أي معرفة بالإسلام، لا يستطيع الوصول بتفكيره إلى مثل هذا الحل العبقري.
إذن.
كاتب هذه السطور يعلنها مدوية.
حتى لو تم القبض على بن لادن، حتى لو تم القضاء على القاعدة وعلى كل التنظيمات المتطرفة ، لن ينتهي الصراع بين الإسلام وأمريكا ومعها الغرب.
مهما أستخدمتم من قنابل، لن تستطيعوا أن تزيلوا عقدة الحروب الصليبية التي توجد في داخل كل مسلم. وبالطبع لن تستطيعوا أيضاً أن تساعدوا العالم الإسلامي في حل المشاكل التي يعانيها.
صراع المجتمعات الغربية مع المجتمعات الإسلامية ليس مجرد "صدام حضارات".
إنه صراع تاريخي يتواصل لأكثر من الف عام، وله جذور عميقة جداً.
وعلى فرض أن أمريكا إنتصرت هذه المرة في "الحرب على الإرهاب" ، فهو ليس إلا إنتصار لحظي. ويجب على السادة القراء وضع هذه الكلمات في وعيهم وعدم نسيانها.
إسلام يعاني.
أمريكا تتغطرس.

متي ياترى يأتي اليوم الذي يتفاهمان.

الأحد، 2 يونيو 2013

أحدث روايات هاروكي موراكامي "تسوكورو تازاكي عديم اللون، وسنوات حجه"

أحدث روايات هاروكي موراكامي
"تسوكورو تازاكي عديم اللون، وسنوات حجه"


بقلم: ميسرة عفيفي
يعتبر هاروكي موراكامي أشهر أديب ياباني على قيد الحياة ومن أوسع أدباء العالم انتشارا، ويقال إنه أكثر الأدباء قربا من الحصول على جائزة نوبل التي يرشح لها كل عام تقريبا في السنوات الأخيرة. ولد موراكامي عام 1949 في مدينة كيوتو العتيقة التي تعتبر أكثر المدن اليابانية احتفاظا بطابعها التقليدي القديم، ولكنه انتقل مبكرا للعيش في مدنية كوبيه القريبة منها مع والديه اللذين كانا يعملان في تدريس اللغة اليابانية في مدرسة أهلية متوسطة. وبتأثير منهما أصبح موراكامي محبا للقراءة يقضي أغلب وقته في التهام الكتب. دخل موراكامي في عام 1968 جامعة واسيدا الشهيرة التي تعتبر من أفضل الجامعات في اليابان، لدراسة الأدب ولكنه عمل أثناء دراسته في الجامعة كعامل بار في أحد نوادي موسيقى الجاز الليلية في طوكيو. ثم تزوج في عام 1971 من زميلة له في الدراسة وشاركها في امتلاك بار متخصص في موسيقى الجاز وهما مازالا يدرسان في الجامعة مما جعله لا يتخرج من الجامعة إلا في عام 1975 بعد قضاء سبع سنوات فيها، وهو أمر نادر في اليابان. يشتهر موراكامي في اليابان بكرهه للظهور في وسائل الإعلام وعدم حبه للحديث عن نفسه أو كشف حياته الشخصية للعامة من خلال وسائل الإعلام المختلفة. ويفسر موراكامي ذلك بقوله إنه أثناء عمله في البار، تحدث مع بشر عديدين أحاديث كثيرة للغاية تكفيه لبقية حياته. ولكن في مقابل ذلك يسهب موراكامي في الحديث لوسائل الإعلام الأجنبية، وينشط في تسويق نفسه عالميا.
بدأ موراكامي الكتابة الأدبية متأخرا نوعا ما، إذ أنه كان في الثلاثين من العمر عندما نُشر له أول عمل روائي وهو "استمع لأغنية الريح". ويقول موراكامي إنه فكر صدفة في كتابة الروايات أثناء مشاهدته لمباراة في لعبة البيسبول بملعب جينغوو القريب من البار الذي كان يملكه.
حقق موراكامي شهرته المدوية من خلال رواية "الغابة النرويجية" التي باعت في اليابان فقط ما يقرب من خمسة ملايين نسخة. ثم توالت أعماله الروائية التي ما أن تصدر حتى تتصدر قائمة المبيعات وتترجم للغات عدة من لغات العالم الحية ومنها اللغة العربية التي تُرجم لها خمسة أعمال لموراكامي هي "الغابة النرويجية"، و"رقص رقص رقص"، و"جنوب الحدود غرب الشمس"، و"سبوتنيك الحبيبة"، وأخيرا "كافكا على الشاطئ"، ولكن للأسف كلها تم ترجمتها عن طريق لغة وسيطة هي اللغة الإنجليزية ولم يسبق على حد علمي أن تُرجمت له أية أعمال مباشرة من اللغة اليابانية حتى كتابة هذه السطور.
يشتهر موراكامي كذلك كمترجم للأدب الأمريكي المعاصر، فترجم عددا كبيرا من الأعمال الأدبية لجون وينسلو إيرفينغ، وكريس فان أولسبرغ، وتيم أوبرين، وريموند كليف كارفر، وريموند ثورنتون تشاندلر وغيرهم العديد من الأدباء.

أحدث روايات هاوركي موراكامي وهي محور هذا الحديث، صدرت في 15 أبريل من هذا العام، حسب ما هو منشور في الصفحة الداخلية لها، ولكن في الواقع بدء بيعها فعليا يوم 12 أبريل وحصل كاتب هذه السطور على نسخة منها في ذلك اليوم.
وقد سجلت الرواية حدثا هاما في تاريخ بيع الكتب في اليابان، وهي أنها أصبحت أول كتاب في تاريخ اليابان يصدر منه الطبعة الثانية في اليوم الأول من بدء بيع الطبعة الأولى في الأسواق بسبب نفاذ الكمية المطبوعة قبل نهاية ذلك اليوم. وقيل إنها باعت مليون نسخة في الأسبوع الأول من طرحها للبيع. الرواية أعادت موراكامي لعشاق أدبه بعد غياب ثلاثة سنوات منذ أن أصدر الجزء الثالث والأخير من ثلاثيته 1Q84 التي بدورها كانت تتصدر قائمة المبيعات كلما نزل للأسواق جزء منها.
يقول موراكامي عن روايته الجديدة إنه لأول مرة يترك لقلمه العنان لكتابة أحداثها دون أن تكون فكرتها مكتملة ومختمرة في رأسه، وإنه كان يستمتع بالتفكير في تطور أحداث الرواية يوما بيوم طوال الستة أشهر التي قضاها في كتابتها. تقع الرواية في 19 فصلا بما إجماله  370 صفحة من القطع المتوسط. اسم الرواية كما في عنوان هذا المقال  يعتبر من أطول أسماء روايات هاروكي موراكامي وهو في اللغة اليابانية يعتبر جملة اسمية كاملة: "تسوكورو تازاكي عديم اللون، وسنوات حجه". وتسوكورو تازاكي هذا هو بطل الرواية الذي تتمحور حوله كل الأحداث والشخصيات.
وتتركز أحداث الرواية في عقدين منذ كان البطل في العام الأول من المدرسة الثانوية وحتى العصر الحالي ويبلغ فيه البطل 36 عاما، أي من فترة مراهقته إلي فترة الكهولة حيث تنتهي الرواية. تبدأ أحداث الرواية من فترة النهاية حيث يعيش تسوكورو (والاسم عبارة عن صيغة المصدر من فعل "يصنع أو يُنشئ")، في طوكيو ويعمل بعد تخرجه من كلية الهندسة في تصميم وإنشاء محطات القطارات، وهو ما كان يحلم به منذ طفولته. كان تسوكورو في مرحلة الدراسة الثانوية في مدينة ناغويا التي ولد وتربي بها يكوّن مع أربعة من أصدقائه (بنتين وولدين) صداقة قوية وكانوا الخمسة عبارة عن كتلة واحدة يتحركون معا ويلعبون معا ويستذكرون دروسهم معا ولا يفترقون إلا عند النوم. ويصادف أن يحتوي اسم الأربعة الآخرين فيما عدا تسوكورو على لون ما، فالولدين الأول اسمه كيي أكاماتسو، "أكا" بمعنى أحمر والثاني اسمه يوشيو أومي، "أو" بمعنى أزرق، والبنتين الأولى اسمها يوزوكي شيرانه، "شيرو" تعني أبيض والثانية اسمها إري كورونو، "كورو" يعني أسود، وبالتالي أصبحت أسماء النداء بينهم هي أكا (أحمر)، أو (أزرق)، وشيرو (أبيض)، وكورو (أسود)، ثم تسوكورو هو الوحيد الذي لا يحتوي اسمه على لون فيظل كما هو تسوكورو، وهذا سبب عنوان الرواية "تسوكورو تازاكي عديم اللون ...".
وكذلك كان تسوكورو هو الوحيد بينهم الذي اختار جامعة في طوكيو، ويغادر ناغويا بعد انتهاء المرحلة الثانوية ليدرس ويعيش في طوكيو.
في العام الثاني له في الجامعة، وعند عودته في إجازة لناغويا، يفاجئ تسوكورو أن الأصدقاء قد قرروا قطع صلتهم به وإنهاء علاقتهم جميعا معه. وقد أخبره "أو" بذلك وطلب منه عدم الاتصال بأي منهم أبدا، ولم يخبره عن سبب هذا القرار.
قضى تسوكورو بعد عودته لطوكيو فترة ستة أشهر بين الحياة والموت، حيث انعدمت لديه أي رغبة في الحياة أو الأكل أو فعل أي شيء بعد صدمة فقدانه لأصدقائه الحميمين بدون سباق إنذار وبدون معرفة السبب في ذلك. وبعد معاناة شديدة نفسية وجسدية يتعافى تسوكورو جسديا فقط ويواصل حياته في الدراسة وكأنه شبح بلا روح. وأثناء الدراسة يتعرف على شاب أصغر منه بعامين اسمه أكيفومي هايدا (هذا الصديق أيضا يحتوي اسمه على لون وهو "هاي" بمعنى رمادي). يتعرف عليه في مسبح الجامعة حيث الاثنين هوايتهما هي السباحة. ويصبح هايدا هو صديق تسوكورو الوحيد وتتعمق العلاقة بينهما، ويحكي له هايدا عن والده الذي يعمل أستاذا للفلسفة في الجامعة ولكنه عندما كان طالبا في الجامعة وأثناء الاضطرابات التي قام بها طلبة الجامعات اليابانية في الستينيات، ترك والد هايدا الجامعة ورحل في رحلة تسكع لمدة عام داخل أقاليم اليابان، ليقابل أثناء عمله في نُزل ياباني تقليدي، نزيلا غريب الأطوار يبدو أنه كان يعمل كعازف بيانو، اسمه ميدوريكاوا (ميدوري تعني أخضر)، يحكي له قصة غريبة عن الموت وأنه سيموت بعد أيام قليلة، ثم يختفى ذلك النزيل فجأة ويعود والد هايدا لدراسته ويمارس حياته العادية حتى يصبح أستاذا للفلسفة في الجامعة.
وكما اختفى نزيل الفندق فجأة كذلك يختفى هايدا صديق تسوكورو من حياته فجأة دون سابق إنذار.
يتذكر تسوكورو كل ذلك أثناء الوقت الحالي بعد أن تعرف على سارا كيموتو التي تكبره بعامين والتي يعجب بها ويحاول إقامة علاقة جدية معها ولكنه يفشل في ذلك. فتقول له سارا إنه يواجه مشكلة مع ماضيه، ويجب عليه حل هذه المشكلة بمواجهتها وليس بالهرب منها كما فعل في الستة عشر عاما الماضية. وتطلب منه أن يذهب بنفسه ليقابل أصدقائه الأربعة واحدا بعد الآخر ليعرف منهم سبب إبعاده عن المجموعة بشكل مفاجئ ودون إبلاغه بالسبب. وتبحث له عن محل إقامة كل منهم الحالية وتخبره، وكذلك تخبره أن "شيرو" قد ماتت منذ ستة سنوات، ولكنها لا تخبره بالتفاصيل. فيذهب تسوكورو في رحلة بحثه هذه أو رحلة حجه، إلى ناغويا لمقابلة "أو" و"أكا"، ثم إلى فنلندا لمقابلة "كورو" التي تزوجت من فنلندي جاء طالبا إلى اليابان للدراسة وعادت معه إلى فنلندا وتعيش معه بعد أنجبت منه بنتين.
بعد أن يتحدث تسوكورو مع الثلاثة الباقين على قيد الحياة يعرف أن "شيرو" قد قتلت في شقتها التي انتقلت للعيش فيها بمفردها في مدينة هاماماتسو التي تقع بين طوكيو وناغويا. وكذلك يعرف لماذا حدث بينهم ما حدث. وملخص الأمر أن "شيرو" قالت لهم إنها عند ذهابها لحضور حفل غنائي في طوكيو، قابلت تسوكورو الذي اغتصبها وأفقدها عذريتها بعد أن اعتدى عليها. واضطر الجميع إلى موافقتها على ما قررت بقطع صلتهم تماما بتسوكورو، رغم شكهم جميعا في أن يكون تسوكورو قد فعل ذلك. وتخبره "كورو" أن "شيرو" كانت حاملا بالفعل وقد قررت أن تلد الجنين ولكنه سقط رغما عنها، وتخبره كذلك أنها كانت تعلم أنه برئ، ولكنها لعلمها أن "شيرو" قد أصاب عقلها خلل ما، قررت أن تكون بجانبها وتساندها هي وتتخلى عن تسوكورو التي كانت تضمر داخلها شعورا بالحب تجاهه، لأنها رأت أنه قادر على تخطى تلك المحنة، بينما "شيرو" لا تستطيع ذلك بمفردها لضعفها.
هذا هو ملخص أحداث الرواية التي أرى أن بها بعض التشتت وبعض الغموض الذي ربما كان مقصودا.

انطباعي عن الرواية أنها تعتبر من النوع السهل الممتنع، فالجمل سلسة والحوار سهل، تأخذك الرواية معها حتى نهايتها في وقت قصير (هناك من قال إنه قرأها في ثلاث ساعات فقط)، وأرى أنها من أخف أعمال موراكامي، وأسهلها من حيث القراءة والفهم، فهي لا تناقش كما في أعماله الكبرى همّا اجتماعيا وقضية حيوية تهم الجميع، ولكنها تناقش مشكلة فردية ربما واجهت عددا ما من الأشخاص ولكنها لا ترقى إلى مصاف القضايا الإنسانية الكبرى.
وكذلك هناك انطباع عام عن اقتراب موراكامي في هذه الرواية من أدب الروايات البوليسية المثيرة التي لها عشاق كثر هنا في اليابان وتعتبر أكثر أنواع الروايات انتشارا، فأحداث الرواية يشوبها بعض الغموض والتشويق، ويتم الكشف عنها تدريجيا مع التقدم في قراءة الرواية، إلا أن الاختلاف بين الروايات البوليسية المعتادة وبين رواية موراكامي هذه، أن موراكامي تعمد ترك مصير كل الأحداث غامضا، فلم نصل إلى معرفة ما هو مصير هايدا ولا كل ما يتعلق به وما حكاه من أحداث تخص عازف البيانو ميدوريكاوا، وكذلك لم نعرف حقيقة ما حدث مع "شيرو" ومن الذي اغتصبها ومن الذي قتلها ولماذا؟ حتى مصير بطل الرواية تسوكورو مع حبيبته سارا، هل سيرتبطا أم ينفصلا، لقد طلبت سارا منه مهلة ثلاثة أيام للرد على ذلك ولكن موراكامي ينهي الرواية قبل مرور الثلاثة أيام تلك. فهل سيفعلها موراكامي ويكتب الجزء الثاني من حكاية تسوكورو تازاكي؟
هناك العديد والعديد من الآراء التي ملأت الجو الأدبي الياباني تعليقا على هذه الرواية. ربما كان أشدها لاذعة في النقد، هو من قال إن تلك الرواية ربما تكون بداية النهاية لظاهرة هاروكي مواركامي وأن الرجل لم يعد لديه ما يقوله بعد هذه المسيرة العظيمة في مجال الأدب. فهل يصدق ذلك التنبأ يا ترى؟ ليس أمامنا إلا أن ننتظر لنرى.
تبقى كلمة لا يمكن ترك الرواية دون الحديث عنها وهي أن موراكامي كما هي عادته دائما، يضع الموسيقى عنصرا أساسيا من عناصر الرواية، وقد اختار هذه المرة الموسيقى الكلاسيكية، ممثلة في مجموعة فرانز ليست للبيانو "سنوات الحج" (لاحظ عنوان الرواية المأخوذ من عنوان المجموعة) خاصة بعزف العبقري الروسي لازار بِرمان. كانت "شيرو" التي تهوى الموسيقى حتى أنها درستها وبعد تخرجها من الجامعة عملت كمدرسة بيانو للأطفال، تعزف للأصدقاء الأربعة مجموعة ليست سنوات الحج. وطوال أحداث الرواية يستمع تسوكورو إلى عزف لازار برمان خاصة في الوقت الذي كان يقضيه في شقته مع صديقه هايدا.
بعد صدور الرواية زاد الإقبال على سماع مقطوعات "سنوات الحج" لفرانز ليست وخاصة من عزف لازار، ولكنها كأسطوانة كانت غير موجودة في الأسواق اليابانية ولكن نظرا لزيادة الطلب عليها قررت شركة يونيفرسال إصدار سي دي جديد بعد شهر من صدور رواية موراكامي.